فتــح الميلاد والمسيرة
بعد سبعة عشر عاما الذي عاشه شعبنا في اعتاب الهزيمة جاء اليوم الاول من يناير 1965 و ليكون نقطة البداية في اول تحرك جماهيري فلسطيني على الطريق السليم انطلقت فيه طلائع فلسطينية مسلحة الى قلب الارض المحتلة وسط عالم مظلم وظروف صعبة وقاسية لتضع اول تطور واقعي في تاريخ كفاحنا في اعقاب النكبة من اجل التحرير .
ولكي يكون طريقنا واضحا كيف نسير فيه واين ننتهي ولمن يكن ولاؤنا فيه وفيما يأتي بعده ولكي يكون تحديدنا لمسؤوليتنا والتزاماتنا دقيقا وواضحا يلزم ان يعطي لكل شيء اسمه وتحدد ابعاده وكما نراها وكما عاشها شعبنا وكل المواطنين من اهلنا الذين شهدوا حركة النضال الفلسطيني في اعقاب النكبة وقد تشكلت تحت الظروف القاسية التي احاطت تعاقبتا وكانتا مقدمة ( ولا يمكن تجاهلها وفصل طويل تجاربهما وتاريخهما عنها ) لهذه المرحلة الثالثة التي بدأت بهذا اليوم وقد جاءت لتصحح لما كان فيهما من تناقض على احساسات خبرة كثيرة في نفوس اهلنا من غير ان تتراجع فيما انتهت اليه اهداف شعبنا ومكاسبه واماله على طول هذا الطريق .
وباندفاع خاطف استطاعت قوات الجيش الصهيوني تصفي معركة 1948 وترسم معالم جديدة على الخريطة الفلسطينية لم تملك سبع دول عربية الا ان تستسلم لها وينتهي الامر بعدها بشعبنا تائها يعاني من الضياع في معسكرات للتجميع تتناثر في اطراف العالم فاقدا وعيه وفكره ويعيش في ذهول صنعته الحركة السريعة لتطور الاحداث حوله .
هكذا بدت المرحلة الاولى في اعقاب النكبة باستسلام وذهول عقدته اكثر سنوات الجوع الثلاث التي عانتها معسكرات التجميع بحيث لم يعد شعبنا قادر على التفكير المنظم المسؤول وبقي يتابع الاخبار والحوادث التي يصفها له غيره .
وتطور الامر بالحركة السياسية الفلسطينية بعد انهيار المدرسة العشائرية من اجل فرد الى حركة حزبية نشطة كان اساسها تكتلات عقائدية خاصة ولو ان وعيها السياسي لم يصل الى مستوى تتحمل فيه مسؤولية تخطيط واف ومكتمل فشكل الكفاح المسلح الفلسطيني في سبيل معركة التحرير الا انها تفاعلت مع كل الاحداث والتطورات في الارض العربية على طول الوطن العربي وشاركت في كثير منها باندفاع على ااعتقاد انها جزء من معركتنا في فلسطين الى درجة جعلت التزامها العربي الواسع يشغلها عن التزامها الفلسطيني حتى اصبح كل تطور او تغيير تصنعه العناصر النشطة في الوطن العربي محطة انتظار تقف عليها تتطلع الى الامل القادم بعدها .
ولم يشعبنا يتردد في ان يضع كل امكانياته كافراد كمجموع في خدمة التوطرات التي غيرت من معالم الحياة في الشرق حتى اننا كحكم مطلق كنا نربط مصيرنا بمصير هذه التغيرات والاحداث وانشغلنا بها نرفع شعاراتها فوق شعاراتنا وندفعها ونحميها على انها مراحل ضرورية على طريق التحرير الا ان الحركة الحزبية التي كانت محورا لاستقطاب الجماهير لم تستطع على طول هذا الطريق ان تقدم لنا اي تصور واضح ومقبول لشكل مسيرة التحرير وقد فشلت حتى فالالتزام باي تخطيط قادر على تلبية تطلعات شعبنا الى الامل الكبير الذي بناء عليها .
وهكذا بدت تتجمع امامنا على طول الطريق الذي لم يحقق اغراضه علامات استفهام كبيرة وعنيدة تتسائل الى اين ؟ واخذت هذه التساؤلات تنموا وتتبلور اكثر الى ان فاجأتها حرب السويس وبسقوط غزة في ايدي الاحتلال في اكتوبر عام 1965 بدأت مرحلة جديدة وجد شعبنا نفسه فيها وجها لوجه امام مسؤولياته وامام قسوة المواجهة تحت ضغط الرصاص الموجه الى صدور هذا الشعب لا يميز بين عقائد الشباب فيه تبلوت افكاره واكتمل تصوره لنوع المعركة واحتيجاتها وولدت من خلال وحدة الرصاص المرحلة الجديدة في التفكير الفلسطيني وارتفعت شعاراتها تنادي بلقب فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من اجل ثورة مسلحة تحرر الارض
ميلاد فتح : كانت هذه نقطة البداية على الطريق الصحيح بشكل يضع حدا للبعثرة والتردد والاسترخاء على محطات انتظار لا قرار لها وهكذا ولدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في عام 1958 ترقع شعارات المرحلة وكان عليها تواجه كل تساؤلات التشكيك والاتهام التي ارتفعت في وجهها وتحيط بها من كل الجهات .
وظلت فتح يومها صامدة تصنع المرحلة الجديدة وتجيب على كل تساؤلاتها الحائرة . ماذا , وكيف وبمن ومن اين ومتى ؟؟؟ واستطاعت في عناد ان تشق الطريق وتقيم اول تنظيم فلسطيني يتصدى بنفسه ليستعيد زمام المبادرة في القضية الفلسطينية .
اهادف فتح : تركزت اهداف فتح في اتجاه واحد :-
1- تحريك الوجود الفلسطيني وبعث الشخصية الفلسطينية محليا ودوليا ومن خلال المقاتل الفلسطيني الصلب العنيد القادر على تحطيم اسطورة المناعة الصهيونية .
2- استقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها كل الجماهير العربية في طريق الثورة المسحلة وحشدها فيها لتكون قادرة على :-
• تجميد حركة النمو والوجود الصهيوني .
• تقطيع هذا الوجود
• تصفية الدولة رمز الوجود الصهيوني على ارض فلسطين
3- اعادة بناء الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينية حرة وديمقراطية .
مسؤوليات حركة فتح : وكطليعة لهذه الثورة تتحمل مسؤولية بدء الثورة وحمايتها وتأمين الاستمرار فيها الى اهدافها وسط كافة التناقضات القائمة على الارض العربية وحتى تتمكن من خلق القوة الفلسطينية التي يتوفر لها : -
1- قدرة على الحركة 2- حرية الحركة
على هذه الارض التي ستكون احد قواعد الثورة في مراحلها الاولى كانت فتح ملزمة ومقيدة بالطرح المسؤول والدقيق والحذر لبعض مواقفها وارائها التي قد يكون لها ردود خطرة على مسيرة الثورة .
مسيرة فتح : ومر عامان كانت فيهما شعارات المرحلة الجديدة من خلال فتح لقاء فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من اجل ان تؤفر مساحة مسلحة تحرر الارض وقد بدأت تغوص الى اعماق الشعب الفلسطيني بدرجة اكبر واقرب الى التصور , وفي العالم الثالث بعد انتصار ثورة الجزائر وانفصال الوحدة بين سوريا ومصر وفي سنة 1961 اصبح هناك اجماع فلسطيني على الخط الذي اختارته حركة فتح وتعددت بعدها التنظيمات واخذت تنادي به حتى الذين هاجموه وشككوا فيها بالامس.
وتابعت حركة فتح تنظيمها على طريق الثورة وكانت ترد بنواياها الحسنة ان كل خطوة على هذا الطريق وكل تجمع فلسطيني على هذا التفكير مهما تعددت واختلفت مصادره ونواياه سيكون فيه عودة بالولاء الفلسطيني الى قواعده الحقيقية تشده الى اهداف الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير بدلا من البعثرة والضياع الذي عاشه شعبنا موزع الولاء على في اكثر من اتجاه ووراء اكثر من هدف سيما بعد النكبة حيث كان ينتهي دائما الى سراب .
الا ان عناصر خارجية قد اخذت تتدخل ولعبت دورا كبيرا في خلق ومضاعفة اعداد التنظيمات الفلسطيني بشلك لم يعد يبرره اي فرض خير واصبح تعدد هذه التنظيمات يبدو وكأنه محاولة لتمييع الحركة الوطنية وتفككها وعودة بالولاء الفلسطيني الى البعثرة بعيدا عن الاهداف الحقيقية لشعبنا وتراجعا الى المواقع الخارجية التي كانت تشد ارادة الاحزاب العقائدية في بلدنا الى خارج الحدود .
ازاء هذا الخطر الذي بدا يزحف على الجبهة الفلسطيني ويغرقها في حوار جدلي عقيم اوشك ان يفرغها من محتواها رأت فتح ان تتولى زمام المبادرة من جديد لتخرج بالحركة الوطنية من طريقها المسدود ولتدفع بالامور في اتجاه الاهداف الفلسطينية قبل ان يقع الانحراف وعلى هذا الاساس اختارت :-
اولا : ان تركز جهدا اكبر في تكثيف قواعدها العسكرية على الارض الحقيقية للثورة حتى تصبح قادرة على بدء عملياتها في وقت اقصر بما قد يضع حدا لنقاشات الصفصفة التي بدأت تغرق الجو الفلسطيني .
ثانيا : ان تطرح للتجربة محاولة لتجميع الحركات الفلسطينية في تنظيم فلسطيني واحد بعيد تركيز الوحدة الوطنية ويحفظ للشخصية الفلسطينية استقلالها بفكرها وتخطيطها وولائها للاهداف الفلسطينية حتى يظل زمام المبادرة كما تريده بيد الشعب الفلسطيني بنفسه .
وهنا من اجل هذا الغرض ذهبنا الى مؤتمر القدس ونحن نتطلع الى ميلاد المنظمة كمحاولة للخروج بالكفاح الفلسطيني من القوقعة التي املتها حياة السراديب الى عالم مكشوف يستطيع ان يستقطب قواعد اوسع بامكانيات للعمل اكثر والقت فتح بثقلها مع فكرة منظمة التحرير الفلسطينية لتعطيها دفعا قويا تقف به حتى ان بعض الذين ظلوا يزايدون علينا بهذا فرضوا عدائهم على فتح يومها بسببها .
ميلاد الثورة : عندما بدأت منظمة التحرير تتحول عن الهدف الذي جاءت من اجله واخذت تجر معها ولاء شعبنا بعيدا عن اهدافه الى اتجاه واضح واكتملت القناعة عند قيادات فتح بأن اجهزة المنظمة قد عجزت عن ان تطرح تصويرا صادقا لالتزاماتها وان تضع قدمها على بداية الطريق لاستقطاب التنظيمات الفلسطينية القائمة وتجميعها ورأت ان زمام المبادرة الذي حافظت عليه قد اوشك ان يضيع من يد الحركة الوطنية الفلسطينية قررت في يناير 1965 ان تتصدى لمسؤوليتها باستعادة زمام الموقف من جيد وان تقفز من مرحلة التنظيم من اجل الثورة الى مرحلة التنيظم من خلال الثورة رغم كل الظروف القاسية الصعبة التي كانت تعيشها الحركة .
اللقاء فوق ارض المعركة : ومرة اخرى ارتفعت اصوات كثيرة تشكك وتتهم والمقاتلين من رجال العاصفة يقطعون الارض طولا وعرضا في صقير يناير القاسي .
واخذ ابناء فتح يواجهون المطاردة والملاحقة والاعتقال في كل مكان من الارض العربية وبعد عامين من المواجهة المنفرد بين فتح والعدو الصهيوني ورغم شراسة المعركة التي واجهتها على الارض العربية بالتشكيك والاتهام والحصار والحجز والمطاردة بغرض خنق الثورة استطاعت فتح من خلال قتالها اليومي ان تحطم التساؤلات الحائرة والعاجزة والمشككة وتقفز عنها وتثبت ان العمل داخل الارض المحتلة ممكن وان اسطورة المناعة الصهيونية ما هي الا خارفة تتحطم تحت ضربات العزم الفلسطيني واصبح التمرد المسلح الفلسطيني واقعا اكبر من ان يحجز عليه .
بعد مرور عامين على ميلاد الثورة كانا كما يبدو ضروريين لاقناع المترددين والعاجزين من شعبنا وفي الفترة التي بدأت فيها فتح تعد لطرح تصورها وتخطيطها للثورة وتأخذ مسيرتها الى طريقها بثقة وصلابة وعزم في هذه الفترة بالذات بدأت حملة الاغراض هذه بمحاولة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقائد جيش التحرير الذي تجاهلا القوى البشرية الضخمة لجيش التحرير وقاما بتكوين جماعة فدائية بدت اولى عملياتها في اواخر اكتوبر 66 باسم ابطال العودة وجماعات اخرى صغيرة تحمل اسماء شهداء فلسطين قامت كما اراداها من اجل ارباك الوضع السياسي في الاردن في اعقاب الهجوم على قرية السموع
وهنا كان على فتح ان تراجع موقفها في طرحها المبكر لبرنامج الثورة ازاء هذا الاغراق المفاجيء وغير الجاد للساحة الفلسطينية بما يربكها لا سيما وان احد الشروط الاولى لانتصار الثورة كما تراها فتح وحدة لاداة الثورة تحقق شمولا جماهيريا وولاءا موحد لها ومن اجل هذا وجدت فتح نفسها ملزمة بأن تأخذ زمام المبادرة فتطرح شعارها اللقاء فوق ارض المعركة كنداء لهذه القوى ترى فيه السبيل الوحيد لفرز القوى الجادة والقادرة على الحركة والعطاء ومدى استعدادها لصمود رغم ما تتعرض له من مضايقات ومطارادات وحجز وحصار يفرضه الواقع السياسي في دول الطوق المحيطة بالارض المحتلة .
وهكذا اثبتت التجربة على طول مرحلتي التنظيم والعمل المسلح ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قد تجاوزت محاولات التشكيك والاتهام وان فتح كانت في المرحلتين رائدة وصاحبة مبادرة خرجت بالحركة الوطنية الفلسطيني من عالم الضياع في اعقاب النكبة لتضع فتح في اعقاب عالم متحرك مقاتل رغم ما كان يحيط بها من ظروف قاسية وصعبة .
حتمية الثورة : نحن نعرف ان البعض كما يرى في الثورة نوعا من المغامرة ولا يستطيع ان يتصور دور هذه الثورة في معركة التحرير وما هي امكانياتها وهل هي فعلا قادرة على تصفية الاحتلال وكيف .
حتمية تاريخية : نقطة البداية كما نراها نحن ان موضوع الثورة يشكل منطلق لا خيار فيه فهي طريقة يفرضها منطق الحوادث والتاريخ . والذي يسيره جيوش الاحتلال والغزو في الماضي ويسير خلفها انتفاضات الثوار المتكررة يؤكد انه لا بد ان يكون في بلدنا ثورة تأتي لتصحح هذا الوضع الشاد مهما تأخرت عن موعدها .
هذا امر طبيعي يفرض نفسه كحقيقة تاريخية مصيرية تقبل حتى ان تناقش . ولا تبرر لنا ان نستسلم مزيدا من الوقت بعد هذه الفترة من الاستسلام بقدر ما تملي علينا ان نتحمل مسؤولياتنا بين الشعوب التي تتطلع الى حياة افضل وكما كانت ثورات الاحرار في اسيا وافريقيا ستكون ثورتنا قوية ثابتة تفرض وجودها علينا وعلى العالم معنا كما هو التطور الطبيعي للتاريخ ولا نملك بعد هذا ان نستجيب لارادة الاله التي يعبر عنها هذا التاريخ .
حتمية استراتيجية : حتى يمكن ان نتصور العدو الحقيقي للثورة في معركة التحرير وتصفية الاحتلال يلزم ان نتصرو الحقائق الاساسية للمعركة كما استطاعت ان تصنعها اسرائيل على مدى العشرين عاما الماضية من خلال تحركين سياسي وعسكري .
التحرك السياسي : على المستوى العالمي استطاع ان يجرد القضية الفلسطيني امام الرأي العام العالمي ويقدمها من خلال مجموعة من القضايا الفرعية جدا كقضية الاجئين وقضية حدود وقضية مياه وروافد بين دولة مستضعفة صغيرة وثلاث عشر دولة مسعورة تنكر عليها حقها في الوجود والحياة بين مليوني مشرد من عذاب النازي يبحثون عن ملجأ للحياة في هدوء واستقرار ومئة مليون عربي متمرد وغير قانع بخيرات وثروات الارض الواسعة التي يملكونها ويعيشون عليها ويريدون ان يقذفوا بها في البحر كما قذف بهم النازي في افران الغز ومعسكرات الفناء .
التحرك العسكري : من خلال ثلاث محاور هي : -
1- تركيز بشري من خلال هجرة جماعية غربية تزحف من وراء البحار .
2- استراتيجية هجومية قادرة على نقل المعركة بما يتوفر لها من طيران وطرق مواصلات واليات الى الارض العربية خارج حدود الارض المحتلة , وهذا التجمع البشري الغريب .
3- سباق مجنون من التسلح تفرضه على المنطقة يستنزف قدرات وثروات وكل امكانيات العالم العربي بغرض خلق دو من الاستسلام والذعر يجعل المنطقة العربية تعيش في مجال الاستراتيجية الصهيونية وتحت تأثيرها بما يكرس اسطورة الوجود الصهيوني او استحالة زحزحته .
وفي هذا المجال تتطلع دولة الكيان الغاصب للزمن كعامل رئيسي تتمكن به في جو من الهدوء والاسترخاء والسيطرة على جانبي القتال من تحقيق اهدافها الاستراتيجية ويقوم التخطيط الصهيوني في هذا المجال على اساس :-
1- تعمير النقب وحشدة بثلاث ملايين مهاجر جديد بشكل يقطع الاتصال بين الجبهة الغربية في الجنوب والجبهة الاردنية في الشرق .
2- توزيع السكان في المنطقة المحتلة وتخفيف الضغط السكاني في المناطق الشمالية والوسطى .
3- توزيع المراكز الصناعية والمواقع العسكرية على ارض اوسع بشكل لا يجعلها هدفا سهلا للضربات العربية .
وهكذا ستحقق دولة العدو بهذا التوزيع الجديد في اعقاب تعمير النقب مناعة قوية امام غزو عربي محتمل وسيفقد بهذا الجبهة الاردنية المناعة الاستراتيجية التي كانت توفرها صحراء النقب قبل التعمير .
بهذا الفهم لابعاد الاستراتيجية الصهيونية واثر العامل الزمني فيها كان لا بد من ان نتحرك لمنع العدو من تحقيق اهدافه قبل ان تصبح واقعا جديدا ومن اجل ان نعيد الامور الى حجمها الحقيقي ونسترد للقضية وجهها العادل ونوقف الزحف البشري الغريب على ارضنا وتخرج بالمنطقة العربية من تحت الاستراتيجية الصهيونية ونعطيها فرصة لالتقاط انفاسها وسط سباق التسلح المجنون ونجرد العدو من المزايا التي يوفرها العامل الزمني ونقلب ميزان المعادلة في الاتجاه المضاد .
والقوة الوحيدة المؤهلة لهذا هي ثورة مسلحة تكون قادرة على ان تتصدى للاستراتيجية الهجومية الصهيونية وتنقل المعركة من خلال استراتيجية مضادة الى قلب الارض المحتلة في قتال لمواجهة مع الغزو الصهيوني يجد نفسه فيه وحيدا منفردا من غير حماية يواجه المقاتل العربي في بيته وعلى ارضه في الطريق في المقهى وفي السينما وفي معسكرات الجيش وفي كل مكان بعيدا عن سيطرة الطيران والاليات الصهيونية التي كانت توفر له الحماية وتؤمن سلامته وحياته بشكل يفرض عليها التفكير المقارن بين حياة الاستقرار والهدوء التي كان يعيشها في بلده الاول وحياة الفزع والذعر التي وجدها تنتظره على الارض الفلسطينية بما يدفعه في طريق الهجرة العكسية وتكون الاستراتيجية الصهيونية فقدت الغرض الاصلي من وجودها لتأمين سلامة الفرد وتعود بغير هدف وغير نتيجة ولا مبرر.
وهكذا تطرح الثورة نفسها كضرورة حتمية يفرضها منطق التاريخ واستراتيجية المعركة تستكمل ابعادها وتحقق اهدافها على طول مراحل ثلاث هي : -
1- مرحلة تجميد النمو في الوجود الصهيوني على الارض المحتلة .
2- مرحلة تحطيم هذا الوجود .
3- مرحلة تصفية وتطهير الارض المحتلة من كافة اثاره
شخصية الثورة : وحين تكون هذه الثورة المسلحة قادرة على ان تفرض نفسها على خارطة قوى الثورة العالمية من اجل العدل والحرية والمساواة كان يجب ان نؤكد على فلسطينية الثورة في ارضها وقيادتها وتخطيطها وبهذه الشخصية الفلسطينية بها نستطيع ان نسترد للقضية في المجال الدولي وجهها العادل كصراع من اجل الحرية والعدالة وحجمها الحقيقي بين مليون فلسطيني مشرد كانوا يملكون الارض ويعيشوه عليها وهم اليوم بلا وطن وبلا ارض ولا مأوى ولا مستقبل ولا امل , وبين اثني عشر مليون صهيوني يملكون المال والسلطة والنفوذ في امريكا واوربا ينظمون بها زحفا بشريا مهووسا وحاقدا ومتعطشا للدم يتوافد على الارض المقدسة يزاحم اهلها فيها ويقوم بالمذابح وينشر الفزع والرعب والارهاب
ومن اجل هؤلاء المظلومين الذين فقدوا الارض والامل تفرض الثورة الفلسطينية المسلحة نفسها بلا خيار لتطرح الى العالم شخصية المقاتل الفلسطيني الذي يعود بعد عشرين سنة من الظلم والقسوة والضياع ليقاتل من اجل حقه في الحياة كما يحياها الاخرون على ارضهم بعد ان عجز العالم بكل مؤسساته الدولية ان يحافظ على هذا الحق وان يرفع عنه هذا الظلم وهذه القسوة لتطرح على الدنيا شخصية المقاتل الفلسطيني العنيد الصلب الذي لا يسأم ولا يستسلم من قبل ان يعيد الى ارض السلام فلسطين كل مثاليات العدل والمساواة ومن اجل هذا تصر الحركة على ان تحتفظ الثورة بشخصية الشعب الفلسطيني بارزة الى ان تنتهي من معركة التحرير.
هذا التركيز على الشخصية الفلسطينية لثورة لا يمكن ان ينفي عنها شخصيتها العربية فنحن نؤمن ان معركة التحرير في فلسطين هي قضية عربية مصيرية يقوم فيها الفلسطينيون بدور الطليعة الا ان هذا التركيز في نظر الحركة ضروريا للاسباب التالية : -
1- كأستراتيجية يمكن بها التصدي لمحاولات التضليل والخداع التي يضعها التحرك الصهيوني في المجال الدولي لينفي عن هذه الحركة وجهها العادل .
2- كوسيلة لتحديد المسؤولية وتحديد الاختصاص في تنظيم يؤمن بالثورة ويتفاعل معها يبدأها ويحميها ويتابع الاستمرار فيها وتنظيم له من الارتباط بالاض وبالمصير ما يعطيه وضعا خاصا .
ولا يعني هذا التحديد بالاختصاص والمسؤولية في الثورة نوع من الانفراد بها او اي اعفاء للجماهير والقيادات العربية من مسؤولياتها نحو هذه المعركة ولكنه تحديد للمسؤولية الدولية والجماهيرية في قيادة الثورة وتوجيهها او الاستمرار بها الى اهدافها تفرضه طبيعة الوضع السياسي في الوطن العربي ومنطق الحوادث الذي لا يتيح لنا ان نطالب الامة العربية بواجباتها من قبل ان نلقي نحن بامكانياتنا وقدراتنا وحشدنا لا يتيح لنا ان نطالب المواطن العربي بأن يعيش الثورة في ارضنا وشبابنا يعيش حياة الترف والاسترخاء واللامسؤولية يجمع الثروة في ارضهم وفي ترك المسؤوليات تمييع للقضية وضياع لها بين اطراف تلتقي مرة وتتناقض عشرات بما يجعلها موضوعا لمزايدة ذات وزن قادرة على احداث شعارات يحتمي البعض ورائها لتغطية العجز على الارض الفلسطينية .
3- فلسطينية الثورة هي مدخل قادر على تجميد واستقطاب الجماهير الفلسطينية التي تتناثر في اطراف الدول بلا رابط يجمعها او يشدها الى الارض والقضية والمستقبل وهي الوسيلة الوحيدة لتنقية الوسط الفلسطيني من اجل السفسطة والتعقيد من خلال التعدد في الولاء والاتكالية التي صنعتها السنوات الطويلة من الضياع .
في الجزء القادم .... فتح النظرية الثورية .....
بعد سبعة عشر عاما الذي عاشه شعبنا في اعتاب الهزيمة جاء اليوم الاول من يناير 1965 و ليكون نقطة البداية في اول تحرك جماهيري فلسطيني على الطريق السليم انطلقت فيه طلائع فلسطينية مسلحة الى قلب الارض المحتلة وسط عالم مظلم وظروف صعبة وقاسية لتضع اول تطور واقعي في تاريخ كفاحنا في اعقاب النكبة من اجل التحرير .
ولكي يكون طريقنا واضحا كيف نسير فيه واين ننتهي ولمن يكن ولاؤنا فيه وفيما يأتي بعده ولكي يكون تحديدنا لمسؤوليتنا والتزاماتنا دقيقا وواضحا يلزم ان يعطي لكل شيء اسمه وتحدد ابعاده وكما نراها وكما عاشها شعبنا وكل المواطنين من اهلنا الذين شهدوا حركة النضال الفلسطيني في اعقاب النكبة وقد تشكلت تحت الظروف القاسية التي احاطت تعاقبتا وكانتا مقدمة ( ولا يمكن تجاهلها وفصل طويل تجاربهما وتاريخهما عنها ) لهذه المرحلة الثالثة التي بدأت بهذا اليوم وقد جاءت لتصحح لما كان فيهما من تناقض على احساسات خبرة كثيرة في نفوس اهلنا من غير ان تتراجع فيما انتهت اليه اهداف شعبنا ومكاسبه واماله على طول هذا الطريق .
وباندفاع خاطف استطاعت قوات الجيش الصهيوني تصفي معركة 1948 وترسم معالم جديدة على الخريطة الفلسطينية لم تملك سبع دول عربية الا ان تستسلم لها وينتهي الامر بعدها بشعبنا تائها يعاني من الضياع في معسكرات للتجميع تتناثر في اطراف العالم فاقدا وعيه وفكره ويعيش في ذهول صنعته الحركة السريعة لتطور الاحداث حوله .
هكذا بدت المرحلة الاولى في اعقاب النكبة باستسلام وذهول عقدته اكثر سنوات الجوع الثلاث التي عانتها معسكرات التجميع بحيث لم يعد شعبنا قادر على التفكير المنظم المسؤول وبقي يتابع الاخبار والحوادث التي يصفها له غيره .
وتطور الامر بالحركة السياسية الفلسطينية بعد انهيار المدرسة العشائرية من اجل فرد الى حركة حزبية نشطة كان اساسها تكتلات عقائدية خاصة ولو ان وعيها السياسي لم يصل الى مستوى تتحمل فيه مسؤولية تخطيط واف ومكتمل فشكل الكفاح المسلح الفلسطيني في سبيل معركة التحرير الا انها تفاعلت مع كل الاحداث والتطورات في الارض العربية على طول الوطن العربي وشاركت في كثير منها باندفاع على ااعتقاد انها جزء من معركتنا في فلسطين الى درجة جعلت التزامها العربي الواسع يشغلها عن التزامها الفلسطيني حتى اصبح كل تطور او تغيير تصنعه العناصر النشطة في الوطن العربي محطة انتظار تقف عليها تتطلع الى الامل القادم بعدها .
ولم يشعبنا يتردد في ان يضع كل امكانياته كافراد كمجموع في خدمة التوطرات التي غيرت من معالم الحياة في الشرق حتى اننا كحكم مطلق كنا نربط مصيرنا بمصير هذه التغيرات والاحداث وانشغلنا بها نرفع شعاراتها فوق شعاراتنا وندفعها ونحميها على انها مراحل ضرورية على طريق التحرير الا ان الحركة الحزبية التي كانت محورا لاستقطاب الجماهير لم تستطع على طول هذا الطريق ان تقدم لنا اي تصور واضح ومقبول لشكل مسيرة التحرير وقد فشلت حتى فالالتزام باي تخطيط قادر على تلبية تطلعات شعبنا الى الامل الكبير الذي بناء عليها .
وهكذا بدت تتجمع امامنا على طول الطريق الذي لم يحقق اغراضه علامات استفهام كبيرة وعنيدة تتسائل الى اين ؟ واخذت هذه التساؤلات تنموا وتتبلور اكثر الى ان فاجأتها حرب السويس وبسقوط غزة في ايدي الاحتلال في اكتوبر عام 1965 بدأت مرحلة جديدة وجد شعبنا نفسه فيها وجها لوجه امام مسؤولياته وامام قسوة المواجهة تحت ضغط الرصاص الموجه الى صدور هذا الشعب لا يميز بين عقائد الشباب فيه تبلوت افكاره واكتمل تصوره لنوع المعركة واحتيجاتها وولدت من خلال وحدة الرصاص المرحلة الجديدة في التفكير الفلسطيني وارتفعت شعاراتها تنادي بلقب فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من اجل ثورة مسلحة تحرر الارض
ميلاد فتح : كانت هذه نقطة البداية على الطريق الصحيح بشكل يضع حدا للبعثرة والتردد والاسترخاء على محطات انتظار لا قرار لها وهكذا ولدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في عام 1958 ترقع شعارات المرحلة وكان عليها تواجه كل تساؤلات التشكيك والاتهام التي ارتفعت في وجهها وتحيط بها من كل الجهات .
وظلت فتح يومها صامدة تصنع المرحلة الجديدة وتجيب على كل تساؤلاتها الحائرة . ماذا , وكيف وبمن ومن اين ومتى ؟؟؟ واستطاعت في عناد ان تشق الطريق وتقيم اول تنظيم فلسطيني يتصدى بنفسه ليستعيد زمام المبادرة في القضية الفلسطينية .
اهادف فتح : تركزت اهداف فتح في اتجاه واحد :-
1- تحريك الوجود الفلسطيني وبعث الشخصية الفلسطينية محليا ودوليا ومن خلال المقاتل الفلسطيني الصلب العنيد القادر على تحطيم اسطورة المناعة الصهيونية .
2- استقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها كل الجماهير العربية في طريق الثورة المسحلة وحشدها فيها لتكون قادرة على :-
• تجميد حركة النمو والوجود الصهيوني .
• تقطيع هذا الوجود
• تصفية الدولة رمز الوجود الصهيوني على ارض فلسطين
3- اعادة بناء الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينية حرة وديمقراطية .
مسؤوليات حركة فتح : وكطليعة لهذه الثورة تتحمل مسؤولية بدء الثورة وحمايتها وتأمين الاستمرار فيها الى اهدافها وسط كافة التناقضات القائمة على الارض العربية وحتى تتمكن من خلق القوة الفلسطينية التي يتوفر لها : -
1- قدرة على الحركة 2- حرية الحركة
على هذه الارض التي ستكون احد قواعد الثورة في مراحلها الاولى كانت فتح ملزمة ومقيدة بالطرح المسؤول والدقيق والحذر لبعض مواقفها وارائها التي قد يكون لها ردود خطرة على مسيرة الثورة .
مسيرة فتح : ومر عامان كانت فيهما شعارات المرحلة الجديدة من خلال فتح لقاء فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من اجل ان تؤفر مساحة مسلحة تحرر الارض وقد بدأت تغوص الى اعماق الشعب الفلسطيني بدرجة اكبر واقرب الى التصور , وفي العالم الثالث بعد انتصار ثورة الجزائر وانفصال الوحدة بين سوريا ومصر وفي سنة 1961 اصبح هناك اجماع فلسطيني على الخط الذي اختارته حركة فتح وتعددت بعدها التنظيمات واخذت تنادي به حتى الذين هاجموه وشككوا فيها بالامس.
وتابعت حركة فتح تنظيمها على طريق الثورة وكانت ترد بنواياها الحسنة ان كل خطوة على هذا الطريق وكل تجمع فلسطيني على هذا التفكير مهما تعددت واختلفت مصادره ونواياه سيكون فيه عودة بالولاء الفلسطيني الى قواعده الحقيقية تشده الى اهداف الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير بدلا من البعثرة والضياع الذي عاشه شعبنا موزع الولاء على في اكثر من اتجاه ووراء اكثر من هدف سيما بعد النكبة حيث كان ينتهي دائما الى سراب .
الا ان عناصر خارجية قد اخذت تتدخل ولعبت دورا كبيرا في خلق ومضاعفة اعداد التنظيمات الفلسطيني بشلك لم يعد يبرره اي فرض خير واصبح تعدد هذه التنظيمات يبدو وكأنه محاولة لتمييع الحركة الوطنية وتفككها وعودة بالولاء الفلسطيني الى البعثرة بعيدا عن الاهداف الحقيقية لشعبنا وتراجعا الى المواقع الخارجية التي كانت تشد ارادة الاحزاب العقائدية في بلدنا الى خارج الحدود .
ازاء هذا الخطر الذي بدا يزحف على الجبهة الفلسطيني ويغرقها في حوار جدلي عقيم اوشك ان يفرغها من محتواها رأت فتح ان تتولى زمام المبادرة من جديد لتخرج بالحركة الوطنية من طريقها المسدود ولتدفع بالامور في اتجاه الاهداف الفلسطينية قبل ان يقع الانحراف وعلى هذا الاساس اختارت :-
اولا : ان تركز جهدا اكبر في تكثيف قواعدها العسكرية على الارض الحقيقية للثورة حتى تصبح قادرة على بدء عملياتها في وقت اقصر بما قد يضع حدا لنقاشات الصفصفة التي بدأت تغرق الجو الفلسطيني .
ثانيا : ان تطرح للتجربة محاولة لتجميع الحركات الفلسطينية في تنظيم فلسطيني واحد بعيد تركيز الوحدة الوطنية ويحفظ للشخصية الفلسطينية استقلالها بفكرها وتخطيطها وولائها للاهداف الفلسطينية حتى يظل زمام المبادرة كما تريده بيد الشعب الفلسطيني بنفسه .
وهنا من اجل هذا الغرض ذهبنا الى مؤتمر القدس ونحن نتطلع الى ميلاد المنظمة كمحاولة للخروج بالكفاح الفلسطيني من القوقعة التي املتها حياة السراديب الى عالم مكشوف يستطيع ان يستقطب قواعد اوسع بامكانيات للعمل اكثر والقت فتح بثقلها مع فكرة منظمة التحرير الفلسطينية لتعطيها دفعا قويا تقف به حتى ان بعض الذين ظلوا يزايدون علينا بهذا فرضوا عدائهم على فتح يومها بسببها .
ميلاد الثورة : عندما بدأت منظمة التحرير تتحول عن الهدف الذي جاءت من اجله واخذت تجر معها ولاء شعبنا بعيدا عن اهدافه الى اتجاه واضح واكتملت القناعة عند قيادات فتح بأن اجهزة المنظمة قد عجزت عن ان تطرح تصويرا صادقا لالتزاماتها وان تضع قدمها على بداية الطريق لاستقطاب التنظيمات الفلسطينية القائمة وتجميعها ورأت ان زمام المبادرة الذي حافظت عليه قد اوشك ان يضيع من يد الحركة الوطنية الفلسطينية قررت في يناير 1965 ان تتصدى لمسؤوليتها باستعادة زمام الموقف من جيد وان تقفز من مرحلة التنظيم من اجل الثورة الى مرحلة التنيظم من خلال الثورة رغم كل الظروف القاسية الصعبة التي كانت تعيشها الحركة .
اللقاء فوق ارض المعركة : ومرة اخرى ارتفعت اصوات كثيرة تشكك وتتهم والمقاتلين من رجال العاصفة يقطعون الارض طولا وعرضا في صقير يناير القاسي .
واخذ ابناء فتح يواجهون المطاردة والملاحقة والاعتقال في كل مكان من الارض العربية وبعد عامين من المواجهة المنفرد بين فتح والعدو الصهيوني ورغم شراسة المعركة التي واجهتها على الارض العربية بالتشكيك والاتهام والحصار والحجز والمطاردة بغرض خنق الثورة استطاعت فتح من خلال قتالها اليومي ان تحطم التساؤلات الحائرة والعاجزة والمشككة وتقفز عنها وتثبت ان العمل داخل الارض المحتلة ممكن وان اسطورة المناعة الصهيونية ما هي الا خارفة تتحطم تحت ضربات العزم الفلسطيني واصبح التمرد المسلح الفلسطيني واقعا اكبر من ان يحجز عليه .
بعد مرور عامين على ميلاد الثورة كانا كما يبدو ضروريين لاقناع المترددين والعاجزين من شعبنا وفي الفترة التي بدأت فيها فتح تعد لطرح تصورها وتخطيطها للثورة وتأخذ مسيرتها الى طريقها بثقة وصلابة وعزم في هذه الفترة بالذات بدأت حملة الاغراض هذه بمحاولة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقائد جيش التحرير الذي تجاهلا القوى البشرية الضخمة لجيش التحرير وقاما بتكوين جماعة فدائية بدت اولى عملياتها في اواخر اكتوبر 66 باسم ابطال العودة وجماعات اخرى صغيرة تحمل اسماء شهداء فلسطين قامت كما اراداها من اجل ارباك الوضع السياسي في الاردن في اعقاب الهجوم على قرية السموع
وهنا كان على فتح ان تراجع موقفها في طرحها المبكر لبرنامج الثورة ازاء هذا الاغراق المفاجيء وغير الجاد للساحة الفلسطينية بما يربكها لا سيما وان احد الشروط الاولى لانتصار الثورة كما تراها فتح وحدة لاداة الثورة تحقق شمولا جماهيريا وولاءا موحد لها ومن اجل هذا وجدت فتح نفسها ملزمة بأن تأخذ زمام المبادرة فتطرح شعارها اللقاء فوق ارض المعركة كنداء لهذه القوى ترى فيه السبيل الوحيد لفرز القوى الجادة والقادرة على الحركة والعطاء ومدى استعدادها لصمود رغم ما تتعرض له من مضايقات ومطارادات وحجز وحصار يفرضه الواقع السياسي في دول الطوق المحيطة بالارض المحتلة .
وهكذا اثبتت التجربة على طول مرحلتي التنظيم والعمل المسلح ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قد تجاوزت محاولات التشكيك والاتهام وان فتح كانت في المرحلتين رائدة وصاحبة مبادرة خرجت بالحركة الوطنية الفلسطيني من عالم الضياع في اعقاب النكبة لتضع فتح في اعقاب عالم متحرك مقاتل رغم ما كان يحيط بها من ظروف قاسية وصعبة .
حتمية الثورة : نحن نعرف ان البعض كما يرى في الثورة نوعا من المغامرة ولا يستطيع ان يتصور دور هذه الثورة في معركة التحرير وما هي امكانياتها وهل هي فعلا قادرة على تصفية الاحتلال وكيف .
حتمية تاريخية : نقطة البداية كما نراها نحن ان موضوع الثورة يشكل منطلق لا خيار فيه فهي طريقة يفرضها منطق الحوادث والتاريخ . والذي يسيره جيوش الاحتلال والغزو في الماضي ويسير خلفها انتفاضات الثوار المتكررة يؤكد انه لا بد ان يكون في بلدنا ثورة تأتي لتصحح هذا الوضع الشاد مهما تأخرت عن موعدها .
هذا امر طبيعي يفرض نفسه كحقيقة تاريخية مصيرية تقبل حتى ان تناقش . ولا تبرر لنا ان نستسلم مزيدا من الوقت بعد هذه الفترة من الاستسلام بقدر ما تملي علينا ان نتحمل مسؤولياتنا بين الشعوب التي تتطلع الى حياة افضل وكما كانت ثورات الاحرار في اسيا وافريقيا ستكون ثورتنا قوية ثابتة تفرض وجودها علينا وعلى العالم معنا كما هو التطور الطبيعي للتاريخ ولا نملك بعد هذا ان نستجيب لارادة الاله التي يعبر عنها هذا التاريخ .
حتمية استراتيجية : حتى يمكن ان نتصور العدو الحقيقي للثورة في معركة التحرير وتصفية الاحتلال يلزم ان نتصرو الحقائق الاساسية للمعركة كما استطاعت ان تصنعها اسرائيل على مدى العشرين عاما الماضية من خلال تحركين سياسي وعسكري .
التحرك السياسي : على المستوى العالمي استطاع ان يجرد القضية الفلسطيني امام الرأي العام العالمي ويقدمها من خلال مجموعة من القضايا الفرعية جدا كقضية الاجئين وقضية حدود وقضية مياه وروافد بين دولة مستضعفة صغيرة وثلاث عشر دولة مسعورة تنكر عليها حقها في الوجود والحياة بين مليوني مشرد من عذاب النازي يبحثون عن ملجأ للحياة في هدوء واستقرار ومئة مليون عربي متمرد وغير قانع بخيرات وثروات الارض الواسعة التي يملكونها ويعيشون عليها ويريدون ان يقذفوا بها في البحر كما قذف بهم النازي في افران الغز ومعسكرات الفناء .
التحرك العسكري : من خلال ثلاث محاور هي : -
1- تركيز بشري من خلال هجرة جماعية غربية تزحف من وراء البحار .
2- استراتيجية هجومية قادرة على نقل المعركة بما يتوفر لها من طيران وطرق مواصلات واليات الى الارض العربية خارج حدود الارض المحتلة , وهذا التجمع البشري الغريب .
3- سباق مجنون من التسلح تفرضه على المنطقة يستنزف قدرات وثروات وكل امكانيات العالم العربي بغرض خلق دو من الاستسلام والذعر يجعل المنطقة العربية تعيش في مجال الاستراتيجية الصهيونية وتحت تأثيرها بما يكرس اسطورة الوجود الصهيوني او استحالة زحزحته .
وفي هذا المجال تتطلع دولة الكيان الغاصب للزمن كعامل رئيسي تتمكن به في جو من الهدوء والاسترخاء والسيطرة على جانبي القتال من تحقيق اهدافها الاستراتيجية ويقوم التخطيط الصهيوني في هذا المجال على اساس :-
1- تعمير النقب وحشدة بثلاث ملايين مهاجر جديد بشكل يقطع الاتصال بين الجبهة الغربية في الجنوب والجبهة الاردنية في الشرق .
2- توزيع السكان في المنطقة المحتلة وتخفيف الضغط السكاني في المناطق الشمالية والوسطى .
3- توزيع المراكز الصناعية والمواقع العسكرية على ارض اوسع بشكل لا يجعلها هدفا سهلا للضربات العربية .
وهكذا ستحقق دولة العدو بهذا التوزيع الجديد في اعقاب تعمير النقب مناعة قوية امام غزو عربي محتمل وسيفقد بهذا الجبهة الاردنية المناعة الاستراتيجية التي كانت توفرها صحراء النقب قبل التعمير .
بهذا الفهم لابعاد الاستراتيجية الصهيونية واثر العامل الزمني فيها كان لا بد من ان نتحرك لمنع العدو من تحقيق اهدافه قبل ان تصبح واقعا جديدا ومن اجل ان نعيد الامور الى حجمها الحقيقي ونسترد للقضية وجهها العادل ونوقف الزحف البشري الغريب على ارضنا وتخرج بالمنطقة العربية من تحت الاستراتيجية الصهيونية ونعطيها فرصة لالتقاط انفاسها وسط سباق التسلح المجنون ونجرد العدو من المزايا التي يوفرها العامل الزمني ونقلب ميزان المعادلة في الاتجاه المضاد .
والقوة الوحيدة المؤهلة لهذا هي ثورة مسلحة تكون قادرة على ان تتصدى للاستراتيجية الهجومية الصهيونية وتنقل المعركة من خلال استراتيجية مضادة الى قلب الارض المحتلة في قتال لمواجهة مع الغزو الصهيوني يجد نفسه فيه وحيدا منفردا من غير حماية يواجه المقاتل العربي في بيته وعلى ارضه في الطريق في المقهى وفي السينما وفي معسكرات الجيش وفي كل مكان بعيدا عن سيطرة الطيران والاليات الصهيونية التي كانت توفر له الحماية وتؤمن سلامته وحياته بشكل يفرض عليها التفكير المقارن بين حياة الاستقرار والهدوء التي كان يعيشها في بلده الاول وحياة الفزع والذعر التي وجدها تنتظره على الارض الفلسطينية بما يدفعه في طريق الهجرة العكسية وتكون الاستراتيجية الصهيونية فقدت الغرض الاصلي من وجودها لتأمين سلامة الفرد وتعود بغير هدف وغير نتيجة ولا مبرر.
وهكذا تطرح الثورة نفسها كضرورة حتمية يفرضها منطق التاريخ واستراتيجية المعركة تستكمل ابعادها وتحقق اهدافها على طول مراحل ثلاث هي : -
1- مرحلة تجميد النمو في الوجود الصهيوني على الارض المحتلة .
2- مرحلة تحطيم هذا الوجود .
3- مرحلة تصفية وتطهير الارض المحتلة من كافة اثاره
شخصية الثورة : وحين تكون هذه الثورة المسلحة قادرة على ان تفرض نفسها على خارطة قوى الثورة العالمية من اجل العدل والحرية والمساواة كان يجب ان نؤكد على فلسطينية الثورة في ارضها وقيادتها وتخطيطها وبهذه الشخصية الفلسطينية بها نستطيع ان نسترد للقضية في المجال الدولي وجهها العادل كصراع من اجل الحرية والعدالة وحجمها الحقيقي بين مليون فلسطيني مشرد كانوا يملكون الارض ويعيشوه عليها وهم اليوم بلا وطن وبلا ارض ولا مأوى ولا مستقبل ولا امل , وبين اثني عشر مليون صهيوني يملكون المال والسلطة والنفوذ في امريكا واوربا ينظمون بها زحفا بشريا مهووسا وحاقدا ومتعطشا للدم يتوافد على الارض المقدسة يزاحم اهلها فيها ويقوم بالمذابح وينشر الفزع والرعب والارهاب
ومن اجل هؤلاء المظلومين الذين فقدوا الارض والامل تفرض الثورة الفلسطينية المسلحة نفسها بلا خيار لتطرح الى العالم شخصية المقاتل الفلسطيني الذي يعود بعد عشرين سنة من الظلم والقسوة والضياع ليقاتل من اجل حقه في الحياة كما يحياها الاخرون على ارضهم بعد ان عجز العالم بكل مؤسساته الدولية ان يحافظ على هذا الحق وان يرفع عنه هذا الظلم وهذه القسوة لتطرح على الدنيا شخصية المقاتل الفلسطيني العنيد الصلب الذي لا يسأم ولا يستسلم من قبل ان يعيد الى ارض السلام فلسطين كل مثاليات العدل والمساواة ومن اجل هذا تصر الحركة على ان تحتفظ الثورة بشخصية الشعب الفلسطيني بارزة الى ان تنتهي من معركة التحرير.
هذا التركيز على الشخصية الفلسطينية لثورة لا يمكن ان ينفي عنها شخصيتها العربية فنحن نؤمن ان معركة التحرير في فلسطين هي قضية عربية مصيرية يقوم فيها الفلسطينيون بدور الطليعة الا ان هذا التركيز في نظر الحركة ضروريا للاسباب التالية : -
1- كأستراتيجية يمكن بها التصدي لمحاولات التضليل والخداع التي يضعها التحرك الصهيوني في المجال الدولي لينفي عن هذه الحركة وجهها العادل .
2- كوسيلة لتحديد المسؤولية وتحديد الاختصاص في تنظيم يؤمن بالثورة ويتفاعل معها يبدأها ويحميها ويتابع الاستمرار فيها وتنظيم له من الارتباط بالاض وبالمصير ما يعطيه وضعا خاصا .
ولا يعني هذا التحديد بالاختصاص والمسؤولية في الثورة نوع من الانفراد بها او اي اعفاء للجماهير والقيادات العربية من مسؤولياتها نحو هذه المعركة ولكنه تحديد للمسؤولية الدولية والجماهيرية في قيادة الثورة وتوجيهها او الاستمرار بها الى اهدافها تفرضه طبيعة الوضع السياسي في الوطن العربي ومنطق الحوادث الذي لا يتيح لنا ان نطالب الامة العربية بواجباتها من قبل ان نلقي نحن بامكانياتنا وقدراتنا وحشدنا لا يتيح لنا ان نطالب المواطن العربي بأن يعيش الثورة في ارضنا وشبابنا يعيش حياة الترف والاسترخاء واللامسؤولية يجمع الثروة في ارضهم وفي ترك المسؤوليات تمييع للقضية وضياع لها بين اطراف تلتقي مرة وتتناقض عشرات بما يجعلها موضوعا لمزايدة ذات وزن قادرة على احداث شعارات يحتمي البعض ورائها لتغطية العجز على الارض الفلسطينية .
3- فلسطينية الثورة هي مدخل قادر على تجميد واستقطاب الجماهير الفلسطينية التي تتناثر في اطراف الدول بلا رابط يجمعها او يشدها الى الارض والقضية والمستقبل وهي الوسيلة الوحيدة لتنقية الوسط الفلسطيني من اجل السفسطة والتعقيد من خلال التعدد في الولاء والاتكالية التي صنعتها السنوات الطويلة من الضياع .
في الجزء القادم .... فتح النظرية الثورية .....
11:45 ص
3asefa
